-
"مُحررة" أم "مُحتلة".. المُعارضة السورية وأخطر مهامها في قلب المفاهيم
أكثر من عقد على الحرب الأهلية في سوريا، التي بدأت على شكل انتفاضة شعبية، حولها النظام القابع في دمشق من جهة، والإسلام السياسي المتسلح بمليشيات متطرفة من جهة ثانية، إلى مقتلة لم ترحم سورياً أياً كان موقفه أو موقعه، وكان جلّ ضحاياها من المغلوبين على أمرهم، ممن اختاروا الوقوف على الحياد علهم يسلمون من شر الطرفين، فنالهم نصيبهم أكثر من غيرهم، من طرفي الصراع، لاعتبار كل طرف منهما (نظاماً ومعارضة)، المحايدين خصوماً ما داموا لم يساندوه.
ولعل ما يحل اليوم في محافظة السويداء، خير برهان على ذلك، من خلال محاولات النظام الانتقام من المكون الدرزي الذي فضل عدم تلويث يديه بدماء السوريين، لكن ليست السويداء وحدها من نالها الدمار لموقفها المحايد، فكثير من المناطق السورية، التي كانت خاضعة للنظام وهاجمتها المعارضة يوماً للاستيلاء عليها، فرض عليها أن تكون في صف المعارضة، تحت طائلة التهجير والقمع من قبل مليشيات مسلحة ممولة بالأساس من داعمي الإسلام السياسي، وهم محور تركيا وقطر والإخوان المسلمين.
اقرأ أيضاً: غزل متبادل بين طالبان والجولاني زعيم فرع القاعدة في سوريا
أعاد النظام سطوته وجبروته على أغلب المدن السورية، باستثناء مناطق شمال سوريا، المحاذية للحدود التركية، والتي تخضع لمليشيات تمولها وتسلحها أنقرة.. إضافة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، وهنا من الضروري التذكير بأن مناطق الأخيرة، عرضة للهجمات الدائمة من قبل أنقرة وميلشياتها، كونها ترفض قبول مشروع أنقرة التوسعي في سوريا، بجانب رفض أخونة المجتمع السوري.
أخونة تجري على قدم وساق في مناطق مسلحي المعارضة، التي تغيرت أسماء مدنها، وباتت تختضر بأسماء عمليات عسكرية تركية، كـ(درع الفرات، غصن الزيتون ونبع السلام)، لتفرّخ المزيد والمزيد من المتطرفين، الذين سيقاتلون يوماً كرمى لعيون أنقرة، وإن كان خصمهم سورياً، كما كان الحال في عفرين ورأس العين وتل أبيض، التي قلبت فيها المعارضة المفاهيم، وعوضاً عن تسميتها بـ"المحتلة تركياً"، سميت بـ"المحررة"، وإن كان قد تم "تحريرها" عملياً من أهلها، عبر عمليات تطهير عرقي وتهجير قسري، شهد العالم بأسره عليها.
المحسوبية والفساد
ورغم أنها تسمى بـ"المحررة"، على اعتبار أنها غير خاضعة للنظام السوري، أو جرى تهجير سكانها الأصليين لصالح توطين آخرين (بحجة أنهم سوريون)، فإن الفساد والمحسوبية والمليشياوية والاقتتال وعمليات السلب والنهب والخطف والابتزاز، والاستيلاء على الأملاك، هي كلها سمات باتت تصطبغ بها المناطق التي تستولي عليها مليشيات المعارضة التابعة لتركيا.
الإعلام المحسوب على تلك المليشيات، كان يواري لسنوات طويلة كل الانتهاكات التي كان يقوم بها المسلحون.. لكنه بدأ أخيراً بالتطرق إليها، بعد أن ضاق الناس ذرعاً بها، فبدأت تتكشف قصص وحكايا كان محرماً التطرق لها، فتم التطرق في بداية يناير الماضي، إلى عزل عدد من موظفي مركز الحبوب في منطقة تل أبيض بريف الرقة بشكل "تعسفي" من قبل مُديري المركز، لتوظيف بعض أقاربهم وأصدقائهم، بما يتنافى مع القوانين المنصوص عليها في "الحكومة المؤقتة" المسؤولة عن المنطقة.
اقرأ أيضاً: ناشطون يطالبون بمحاسبة أب قتل ابنه من ذوي الاحتياجات الخاصة في سوريا
وأكد وقتها، الموظف المفصول أن سياسة المحسوبيات متفشية في معظم الإدارات والمؤسسات بالمنطقة، ولاسيما مركز الحبوب في تل أبيض، وقال في هذا الصدد: "على سبيل المثال المدير العام بعنتاب وظّفَ ابن أخيه وبعض أقاربه، ومدير المركز وظّف صهره"، كما أقر الإعلام الموالي للمليشيات بأن مناطق سيطرة مليشيات ما يعرف بـ"الجيش الوطني السوري" تعاني من تفشي الفساد الإداري واتباع أساليب المحسوبيات في العمل الوظيفي، إلى جانب الانتهاكات المتكررة تجاه المدنيين، مشبهةَ ذلك بأنه تكرار نهج النظام السوري المتمثل بالفساد الإداري والمحسوبيات.
تردي اقتصادي عقب تتريك العملة
وبجانب الفساد والمحسوبية، تغلغلت الخدمات التركية في المناطق التي يحكمها المسلحون، حتى أضحت شبيهة جداً بأي ولاية تركية محاذية للحدود السورية، كيف لا والولاة الأتراك من يديرون فعلياً المناطق السورية، ويقومون بالزيارات المتتالية إليها، وكأنها جزء من الأراضي التركية، بجانب زيارات متتابعة لوزير الداخلية التركي.
ولأن واقع الاقتصاد في تركيا لا يمكن أن يقارن بالواقع في مناطق المسلحين، فإن المتضرر الأكبر من الانهيار الأخير للاقتصاد التركي الأخير، كان المناطق السورية الخاضعة لمسلحي المعارضة، بالأخص نتيجة قيام هؤلاء باعتماد الليرة التركية في التعاملات اليومية بالمناطق الخاضعة لهم، ليأتي ارتفاع أسعار الخبز والكهرباء، ويزيد طين السكان في تلك المناطق بلة، مما دفعهم في بداية يناير الماضي، إلى اقتحام عدداً من المجالس المحلية، بجانب مباني شركة الكهرباء، حيث ارتفعت آنذاك أسعار الكهرباء بما يقارب الـ 35%، أما الخبز، فقد ارتفع من ليرة واحدة إلى ليرتين، مع عدم توفره.
اقتتال ومؤازرة للمجرمين
وإضافة إلى المحسوبية والفساد والغلاء وتتريك العملة المستخدمة في مناطقها، تواصل المليشيات المعارضة مسلسل الاقتتال الطويل، الممتد من الصراع بين جيش الإسلام وفيلق الرحمن في الغوطة الشرقية، إلى تشكيل مجالس وغرف للقتال ضد بعضها البعض في شمال سوريا، حيث جرى نقلهم لهناك بتوافقات تركية روسية.
اقرأ أيضاً: موسكو تستخدم منظومة حرب إلكترونية خلال هجوم إسرائيل على سوريا
أكثر الاقتتالات التي كان لها دوي في الفترة الماضية، في ريف حلب الشمالي، بين مليشيات ما تعرف بـ”غرفة عمليات عزم” من جهة، ومليشيا "فرقة السلطان سليمان شاه” بزعامة المدعو “محمد الجاسم\أبو عمشة”، والتي رفض فيها الأتراك (المدراء الفعليون لمناطق المليشيات) قرارات “غرفة عمليات عزم” الهادفة لإزالة مليشيا أبو عمشة، مؤكدةً على عدم إنهاء “فرقة السليمان شاه”، وضرورة وقف المعارك الكلامية بين الطرفان، وسحب الحشود العسكرية، وفق مصادر إعلامية، وهو ما برهنته لاحقات الأيام، إذ بقي "أبو عمشة" في الأراضي التي يستولي عليها بناحية شيخ الحديد بريف عفرين الغربي، التي يصفها مراقبون بـ"مزرعة أبو عمشة".
تكريم المطيعين لأنقرة وإذلال المخالفين
صور التحكم التركي الفعلي بتلك المناطق كثيرة، وتوضح أن لا كلمة فيها للسوريين، حتى أكثرهم طاعة لأنقرة، وبالصدد، تناقلت صفحات إخبارية محلية، في العاشر من يناير الماضي، صوراً تظهر قيام ضباط في الجيش التركي، بترفيع أحد متزعمي ميليشياتها المسماة بـ "الجيش الوطني السوري"، رتبتين عسكريتين مرة واحدة، بغياب "حكومة المعارضة" وحتى علمها، وحضور العلم التركي بمفرده.
حيث رفّعت أنقرة المدعو “محمود الصالح”، وهو برتبة "نقيب"، ويتزعم مليشيا الشرطة في مدينة “رأس العين” التابعة محافظة الحسكة، إلى رتبة مقدّم، في دليل صريح على رضاها عن طاعة "الصالح" لها.. في حين لن ينظر من يخالف الأوامر التركية إلا السجن والتنكيل، وهو ما حلّ بـ"عبد الرحمن المحميد\أبو خولة موحسن"، قائد فصيل “شهداء الشرقية” والذي اعتقل لسنتين وتسعة أشهر، في سجون مليشيات “الجيش الوطني السوري”، لأنه نفذ في يوليو العام 2018، هجوماً على مواقع النظام في بلدة تادف قرب مدينة الباب بريف حلب الشرقي، “نصرة لدرعا” التي كانت تشهد عمليات عسكرية وقصف من قِبل النظام والروس.
اقرأ أيضاً: فرنسا تضيّق الخناق على مجرمي الحرب في سوريا وتلاحق مرتكبيها
انسحب "أبو خولة" من المواقع التي تقدم إليها في تادف، عقب ضغوطات من مليشيات “الجيش الوطني السوري”، وجرى اعتقاله بعد ذلك بتهمة “التمرد وعصيان الأوامر”، أي أنه عوقب لأنه انتصر لسوريته ولشعبه، فيما تكرم أنقرة الأكثر ذلاً وطاعة، ومن خلفها يصفق قطيع المليشيات الممولة منها، (سياسيين وعسكريين)، وعليه فإن أخطر ما تنفذه مليشيات أنقرة السورية، هو قلبها للمفاهيم، تزييفها للحقائق، وتبديلها للمسميات والأوصاف، ليضحى معها "السارق شريفاً"، "اللص عفيفاً"، "قاطع الطريق زعيماً"، "الغازي ثائراً"، "الغنيمة حقاً"، "الخطف اعتقالاً مشروعاً"، "الخائن وطنياً"، و"المحتل محرراً".
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!